تعويم العملة، أو سعر الصرف العائم، يشير إلى ترك قيمة عملة ما للتحدد بشكل طبيعي بناءً على العرض والطلب في سوق الصرف، دون تدخل مباشر من قبل الحكومة أو البنك المركزي في تحديد سعرها. يعتمد هذا النظام على آليات السوق لتحديد قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وفي نظام التعويم، يمكن لأسعار الصرف التغيير باستمرار وفقًا لتقلبات السوق واختلافات العرض والطلب على العملات الأجنبية. يمكن أن يؤدي ارتفاع الطلب على العملة إلى زيادة قيمتها، في حين يمكن أن يؤدي انخفاض الطلب إلى انخفاض قيمتها.
كما تتحرك قيمة العملة تلقائيًا بناءً على عوامل السوق، ولا تكون مثبتة بقيمة ثابتة تحددها السلطات النقدية. هذا يعني أن التعويم يجعل سعر الصرف يشبه أسعار السلع والسلع الأخرى التي تتغير بناءً على العرض والطلب.
ويُستخدم نظام التعويم في العديد من الاقتصادات العالمية، ويعتبر طريقة شائعة لتحديد قيمة العملة. وفي بعض الأحيان، يتم اعتماد أنظمة هجينة تجمع بين التعويم وتدخل محدود من السلطات النقدية لتحقيق التوازن بين السوق واستقرار العملة.
أنواع تعويم العملة:
- التعويم الخالص (التعويم الحر):
في هذا النوع، يتم ترك قيمة العملة للتحديد بشكل تام بواسطة آليات العرض والطلب في سوق الصرف. الحكومة أو البنك المركزي لا يتدخلون في تحديد سعر الصرف بشكل مباشر. ومع ذلك، قد تتدخل السلطات النقدية بشكل غير مباشر للتأثير على سرعة تغيير سعر الصرف، ولكن دون التدخل في تحديد قيمته. أمثلة على بلدان تتبع هذا النوع من التعويم تشمل الفرنك السويسري والدولار الأمريكي. - التعويم الموجه (التعويم المُدار):
يتيح هذا النوع من التعويم للسوق أن تحدد قيمة العملة بناءً على قوى العرض والطلب، ولكن تتدخل الحكومة أو البنك المركزي بشكل غير مباشر لتوجيه السعر في اتجاهات معينة. يكون ذلك استجابةً لمؤشرات مثل الفجوة بين العرض والطلب، وتطورات أسواق الصرف الأخرى، ومستويات أسعار العملات الآجلة والفورية. بعض البلدان التي تتبع هذا النهج تشمل الدول ذات النظام الرأسمالي وبعض الدول النامية.
كيف ظهرت فكرة تعويم العملة ؟
فكرة تعويم العملة نشأت نتيجة للتحولات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها العالم في أوائل فترة الستينيات. في تلك الفترة، كان النظام النقدي الدولي يعتمد بشكل رئيسي على اتفاقية بريتون وودز، التي كانت تستند إلى نظام ثابت لأسعار الصرف مرتبط بالدولار الأمريكي الذي يمكن تحويله إلى الذهب.
ومع تزايد التحولات والتغيرات الاقتصادية والسياسية، أصبح هذا النظام غير قادر على التعامل مع التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف بين العملات المشاركة في الاتفاقية. بعد انهيار اتفاقية بريتون وودز في عام 1971، بدأت فكرة تعويم العملة في الظهور، واتفاقية سيمشونيان التي تم توقيعها في نفس العام كان لها دور في تعزيز فكرة التعويم. زاد سعر أوقية الذهب واتفقت الدول على السماح بتغيير أسعار الصرف بنسبة لا تتجاوز 2.25% من قيمة العملة.
ومع ذلك، لم تستمر اتفاقية سيمشونيان لفترة طويلة وواجهت تحديات. هذا الانهيار دفع بالمسؤولين الاقتصاديين نحو اتخاذ إجراءات أكثر مرونة، وبدأوا يفكرون في استخدام تعويم العملة كسياسة نقدية، وأصبحت سياسة التعويم مهمة لتحقيق أهداف اقتصادية، وتم تنفيذها من خلال إجراءات تدخلية. يؤثر التعويم على سوق الصرف عبر تأثيره على حركتي العرض والطلب وعلى أسعار الفائدة. كما يؤثر على حجم التجارة الخارجية من خلال تحديد واردات وتعزيز الصادرات.
أسباب تعويم العملة:
- اختلاف معدلات النمو الاقتصادي:
ظهرت حاجة إلى تعديل أسعار الصرف نتيجة لاختلاف معدلات النمو الاقتصادي بين الدول الصناعية المتقدمة. ظهرت قوى اقتصادية جديدة مثل أوروبا الغربية واليابان، مما أدى إلى تحول في التنافسية الاقتصادية العالمية. - تباين مستويات التضخم:
تأثرت أسعار الصرف بسبب تباين مستويات التضخم بين الدول، وكان لهذا تأثير على أسعار الفائدة وتغيرات أسعار الصرف. - ارتفاع معدل الإنفاق الأمريكي:
ارتفاع الإنفاق الأمريكي، بما في ذلك الإنفاق على الاستثمار الخارجي وتمويل الحروب، ساهم في زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، مما دفع إلى تفكير في إجراءات تعديلية. - تنافس وتعارض المصالح:
زادت معدلات التنافس وتعارض المصالح بين الدول الصناعية المتقدمة، مما دفع بعضها نحو اتخاذ إجراءات تعديلية في تحديد أسعار صرف عملاتها. - انهيار نظام بريتون وودز:
انهار نظام بريتون وودز في عام 1971 بسبب عجز الميزان التجاري الأمريكي وافتقار الاقتصاد الدولي إلى سيولة عالمية. هذا الانهيار أشعل الحاجة إلى استكشاف وسائل جديدة لإدارة النظام النقدي العالمي. - تمويل حركات المضاربة:
تم تعويم العملات أيضًا لتمويل حركات المضاربة، وخاصة في أسواق الدولارات الأوروبية، مما أدى إلى تأثير قوي على بعض العملات الأوروبية.
علاقة تعويم العملة بالفوركس:
تعويم العملة له علاقة وثيقة بسوق الفوركس (الصرف الأجنبي)، حيث يعد فوركس هو السوق الذي يتم فيه تداول العملات الأجنبية. الفوركس يُعَد أكبر سوق مالي في العالم، ويعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مما يتيح للمستثمرين فرصة التداول على مدار 24 ساعة.
فيما يلي بعض العلاقات بين تعويم العملة وسوق الفوركس:
- استفادة من فروق الأسعار:
فكرة التعويم تسمح للمستثمرين بالاستفادة من فروق أسعار العملات. يمكن للمستثمرين شراء وبيع العملات الأجنبية بناءً على توقعاتهم لتغيرات أسعار الصرف، مما يفتح المجال لتحقيق ربح من هذه الفروق. - تداول العملات الأجنبية:
تعتبر فكرة التعويم أحد العوامل الرئيسية التي دفعت إلى انتشار تداول العملات الأجنبية. يمكن للمتداولين في الفوركس شراء وبيع العملات باستمرار بناءً على تقلبات سوق الصرف. - زيادة التداول بالعملات:
مع تعويم العملة، زادت فرص التداول بالعملات للعديد من الأفراد والمستثمرين. لم يعد التداول بالعملات مقتصرًا على رجال الأعمال والبنوك المركزية، بل أصبح متاحًا للجمهور العام وللأفراد الذين يرغبون في الاستفادة من تقلبات سوق العملات. - تأثير التطورات الاقتصادية والسياسية:
تعتمد تحركات أسعار العملات في الفوركس بشكل كبير على التطورات الاقتصادية والسياسية. التغيرات في سياسات التعويم وتأثيرها على سوق العملات يمكن أن تكون موضوعًا رئيسيًا للمتداولين. - تأثير الأحداث العالمية:
التطورات العالمية مثل أزمات اقتصادية، وتغيرات في السياسة النقدية، وأحداث جيوسياسية تؤثر بشكل مباشر على تقلبات سوق الفوركس. المستثمرون يحاولون تحليل هذه الأحداث واستغلالها في تحديد اتجاهات العملات.
آثار تعويم العملة على اقتصاد الدول:
تأثير على الصادرات والواردات:
- ارتفاع قيمة العملة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض تكلفة الواردات وتقليل تكلفة المنتجات المستوردة.
تأثير على السياحة:
- ارتفاع قيمة العملة يجعل الوجهات السياحية أقل جاذبية للزوار الأجانب، حيث تزيد التكاليف لهم.
تأثير على النمو الاقتصادي:
- ارتفاع قيمة العملة يمكن أن يقلل من تنافسية الصناعات المحلية ويؤثر على القطاعات التصنيعية.
تأثير على البطالة:
- تأثير سلبي على فرص العمل، خاصة في الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على التصدير.
مثال واقعي: تعويم الجنيه
أعلن البنك المركزي المصري قراره بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، وهو ما يشير إلى تحديد قيمة العملة وفقًا لقوى العرض والطلب، ويعرف هذا الإجراء أيضًا بتعويم الجنيه، وفي تصريح لمسؤول بارز في البنك المركزي لوكالة رويترز، تم الكشف عن منح البنوك العاملة في مصر حرية تسعير النقد الأجنبي من خلال سوق بين البنوك (إنتربنك). وعقب هذا الإعلان، أشار مصرفيون إلى أن السعر الرسمي المتوقع للدولار سيتحرك نحو 13 جنيهًا مقابل الدولار الأميركي، بينما كان السعر الحالي 8.88 جنيهًا، وكانت أسعار الدولار في السوق السوداء قد وصلت في الأيام الأخيرة إلى مستويات تجاوزت 18 جنيهًا للمرة الأولى في تاريخ مصر.
ما هو تعويم الجنيه وكيف يؤثر؟
قبل قرار التعويم، كان البنك المركزي يتدخل في تحديد سعر الصرف من خلال استخدام أدوات مثل عطاءات بيع الدولار للبنوك، والتي كانت تستخدم لضبط سعر الصرف. ومع التعويم، يتخلى البنك عن هذه السياسة ويترك تحديد سعر الصرف للقوى السوقية، وتتوقع الأوساط المالية أن توضح الأيام القادمة مدى التدخل المستمر من قبل البنك المركزي في تحديد سعر الصرف.
أحد التدابير المطلوبة من صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض لمصر هو تحرير سعر الصرف، وهو ما قام به البنك المركزي.
التأثير على الاستيراد:
أثر التعويم على اقتصاد مصر بشكل كبير، حيث أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بسبب اعتماد البلاد بشكل كبير على الاستيراد. وأعلن البنك المركزي أيضًا إلغاء قائمة أولويات الاستيراد، مما يعني تقليل تسهيل توفير النقد الأجنبي للشركات التي تستورد سلعًا أساسية.
وفي توازن مع تحرير العملة، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة للإيداع والإقراض لأجل ليلة واحدة بمقدار ثلاث نقاط مئوية، في محاولة لاحتواء التضخم المتوقع نتيجة لتعويم الجنيه، وأعلن البنك المركزي أيضًا عدم وجود قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات فيما يتعلق بتعاملات البنوك.